لقد اتضح للشعب بجميع فئاته، مثقفينَ وعوام، قرب زوال نظام الطغيان الذي أهلك الحرث والنسل وأضعف الأمة. لكن المستبد هو الوحيد الذي لازال في غيّه يعمه وقد أعمت عينيه سكرة المُلك والمال والدّعة والسلطة المطلقة، وفي خضم كل ذلك لا يعي أن النهاية قد اقتربت وأن انهيار نظامه قد أصبح وشيكاً. وبالتالي فإن السؤال المطروح هو ليس “هل ينهار النظام؟” ولكن “متى؟” وما هي تداعيات زوال النظام على الأوضاع الداخلية للبلاد والانعكاسات المحتملة على دول الجوار والمحيط الإقليمي والعالمي؟ ويبقى السؤال ما هو المصير الذي سيواجه الطاغية بعد انهيار نظامه؟ هل سيُطارَد ويسحل في الطرقات؟ أما سيُلْقى القبض عليه وأعوانه ليمثلوا أمام محاكم الشعب جرّاء ما اقترفوه من جرائم في حق البلاد والعباد؟ أم أنه سيتمكن من الهرب إلى إحدى الأنظمة المارقة التي ستمنحه اللجوء والحماية؟ ويبدو أنه ضربٌ من الخيال أن يقوم أي نظام قديم مهما كان خارجاً عن النظام العالمي بالسماح له بالبقاء على أراضيه لأن ذلك يهدد العلاقات والمصالح المرتقبة مع النظام الجديد، ولعل سيناريو شاه إيران وماركس الفلبين خير شاهد على كل طاغية يتكبر ويتجبر ويظلم الشعب، فلم تغنِ عنهما الخدمات الجليلة التي قدماها للدول العظمى.
يجب أن يكون واضحاً أن القيام بالأعمال القذرة وتمويل النشاطات المشبوهة ضد الشعب والانخراط في حروب الوكالة للاستبداد والقمع العابر للحدود وإغداق التريليونات من أموال الشعب لأجل شراء الولاء لن يساعد الطاغية في اعتلاء العرش فضلاً عن الحفاظ عليه. لذلك، يعتقد الطاغية أن هذه الاستراتيجية ستغنيه عن استمالة وإرضاء الشعب، لذا طفق في حربه المعلنة وغير المعلنة على المواطنين تجويعاً وسجناً وتعذيباً وقتلاً وقد أعترف بذلك شخصياً في إحدى اللقاءات مع الصحافة العالمية حيث أتى على لسانه أن الإعدامات “هي اللغة التي يفهمها هذا الشعب”. وهذه الطريقة هي فعلاً أسلوب تعامله مع الشعب سواءً ذكر ذلك أو لم يذكره، لكن على السفاح المجرم أن يعلم أنه لن يفلت من العقاب مهما طال الزمن فجميع هذه الجرائم تم رصدها وتوثيقها وسيحاسب على صغارها قبل كبارها، ناهيك عن السجل الطويل من الجرائم في حق الوطن من هدر الموارد في مشاريع فاشلة تشكل عبء على مستقبل الاقتصاد الوطني.
على الطاغية أن يعي أن الشعب هو صاحب القرار وإليه تعود كافة السلطات، وأن النظام السياسي يجب أن يكون خاضعاً للشعب خادماً له لا مستعبدا له. ويجب أن يكون واضحاَ أن الشعب لن يقبل أن يُدفع إلى الهامش ولن يستمر في صمته إلى الأبد، بل سينظّم صفوفه ويختار قياداته وسينخرط في مؤسسات المجتمع المدني العلنية التي طالما حاربها النظام السياسي، ولن يقبل أن يحكمه إلا نظام سياسي ديمقراطي مكتمل الأركان والمؤسسات، يرضخ لإرادة الشعب ويكون عرضة للمساءلة والمحاسبة العلنية في شكل ملكية دستورية تبقى فيها الأسرة الحاكمة تحكم ولا تملك. وفي حال رفض الملكية الدستورية كما حدث في السنوات الماضية فإن البديل هو قيام جمهورية ديمقراطية تمثل جميع أطياف وفئات المجتمع وتتساوى فيها الفرص بين أبناء الشعب في ظل دستور مكتوب ينص على حقوق الإنسان الأساسية وحق الشعب في اختيار حكومته وتغييرها من خلال صناديق الاقتراع.
إن السيناريو المحتمل لقيام ملكية دستورية ليس ضرباً من الخيال ولا مستحيل الحدوث، لكن تأخر حدوثه نذير شؤم على الطاغية وأعوانه وكل من قام بإيذاء الشعب وحرمه من حقوقه الأساسية وأولئك الذين تورطوا في انتهاكات حقوق الإنسان. وفي هذا الصدد فإن المجرمين الذين سيواجهون حساباً عسيراً هم أولئك الذين قاموا بتدبيج الفتاوى وتزوير خطاب ديني يمكّن الطاغية من اغتصاب الحكم واستعباد الناس. ومن ثم فإن الشعب سيُؤسس لخطاب إسلامي جديد يستوعب الديمقراطية وحقوق الإنسان ويؤكد على التسامح والتعددية وينبذ العنف والإرهاب ويعزز قيم الوحدة والوطنية ويحارب الكراهية.
أيها الطاغية: إن العالم بأسره يعلم تفاصيل الجريمة السياسية النكراء التي أمرت بها وتورطت فيها، كما أن العالم يعلم الإعدامات والجرائم الممنهجة التي تقوم بها ضد أفراد الشعب الأعزل في الداخل، بل يعلم كذلك جرائم الإبادة الجماعية التي قمت بها في دول الجوار. وهذه كلها جرائم ضد الإنسانية أزهقت فيها الأرواح ويُتّمت فيها الأطفال ورمّلت فيها النساء وأهلكت فيها الحرث والنسل وسلبت فيها سنوات من أعمار الأبرياء في السجون والمعتقلات السياسية القاسية. هل تعتقد أن كل ذلك سيمر دون عقاب؟ عليك أن تدرك أنك شخصياً مسؤول مسئولية مطلقة عن جميع تلك الجرائم ولن تنجو من عقابها مهما طال الزمن وتغيرت الظروف.
إذا كنت تجزم ببراءتك فعليك القيام بأحد الخيارات الثلاثة التالية حتى تثبت للعالم بأسره أنه لا علاقة لك بتلك الجريمة البشعة التي خطط لها المقربون منك ونفذها رجالك في مقتل المغدور جمال خاشقجي، وحتى أصدقك القول فإن تلك الخيارات وإن كانت مهمة لإزالة العار الذي لحق باسمك إلا أن أحلاها مر.
الخيار الأول، هو أن تمثل طوعاً أمام برلمانات العالم ومؤسساته مثل أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي وتدفع ببراءتك كما فعل الكثير من السياسيين حول العالم لاسيما أن أعضاء مجلس الشيوخ قد أصدروا قراراً يدينك بأنك من أمر بتلك الجريمة البشعة، وكان ذلك في جلسة مغلقة بعد الاستماع لتقرير قدمته رئيسة المخابرات المركزية آنذاك. وكما تعلم فإن الغالبية العظمى من أعضاء مجلس الشيوخ هم رجال قانون في الأصل وسيمنحونك الفرصة الكاملة في الدفاع عن نفسك في جلسة علانية تحضرها وسائل الإعلام ويتم تغطية وقائعها مباشرة لجميع أرجاء المعمورة.
الخيار الثاني، أن تقدم استقالتك من جميع مناصبك التي تشغلها الآن وتعرض نفسك على القضاء وتدفع ببراءتك في جلسات قضائية علانية أمام قضاة محليين مستقلين، ويُشترط لمصداقية ذلك الإجراء تشكيل لجنة تحقيق مستقلة وعليك أن تقبل طوعاً بالمثول أمامها كما هو مُتبع في بقية دول العالم، وتكون إجراءات التحقيق وقرارات المحكمة ملزمة وواجبة النفاذ.
أما الخيار الثالث، فهو أنك تَحضر قسراً إلى محكمة الجنايات الدولية وتمثل في قفص الإتهام وتوجه لك التهم بناء على الجرائم الممنهجة التي ارتكبتها أو أمرت بها، وهناك قائمة طويلة من الانتهاكات والجرائم الموثقة التي ستدينك بسهولة أمام الرأي العالمي.
وفي الختام عليك أن تعلم أن الذي سيسعى إلى تسليمك إلى المحاكم الدولية هم في المقام الأول أفراد أسرتك الذين يريدون تبرئة أنفسهم أمام العالم من أية اتهام أو عار يلاحقهم بسبب الجرائم المتهورة التي ورطت أسمائهم فيها، وعليك أن تعلم كذلك أن المقربين لديك هم أول من سيدلي بشهاداتهم ضدك فيما سيطلق عليها حينها “محاكمة القرن”.